سورة الحديد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)}
{يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات} بدل من {يَوْمَ تَرَى} [الحديد: 12]، وجوز أن يكون معمولًا لا ذكر.
وقال ابن عطية: يظهر لي أن العامل فيه {ذلك هو الفوز العظيم} [الحديد: 12]، ويكون معنى الفوز عليه أعظم كأنه قيل: إن المؤمنين يفوزون يوم يعتري المنافقين والمنافقات كذا وكذا لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه مضادة أبدع وأفخم، وتعقبه في البحر بأن ظاهره تقريره أن يوم منصوب بالفوز وهو لا يجوز لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته فلا يجوز إعماله ولو أعمل وصفه وهو العظيم لجاز أي الفوز الذي عظم أي قدره يوم انتهى، وفي عدم جواز إعمال مثل هذا المصدر في مثل هذا المعمول خلاف، ثم إن تعلق هذا الظرف بشيء من تلك الجملة خلاف الظاهر {لِلَّذِينَ ءامَنُواْ انظرونا} أي انتظرونا {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به.
وقيل: فيأخذوا شيئًا منه يكون معهم تخيلوا تأتّى ذلك فقالوه، وأصل الاقتباس طلب القبس أي الجذوة من النار، وجوز أن يكون المعنى انظروا إلينا نقتبس إلخ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به فانظرونا على الحذف والايصال لأن النظر عنى مجرد الرؤية يتعدى بإلى فإن أريد التأمل تعدى بفي لكن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر؛ وقولهم: للمؤمنين ذلك لأنهم في ظلمة لا يذرون كيف يمشون فيها، وروى أنه يكون ذلك على الصراط.
وفي الآثار دلالة على أنهم يكون لهم نور فيطفأ فيقولون ذلك، أخرج الطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترًا منه على عباده وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورًا وكل منافق نورًا فإذا استووا على الصراط أطفأ الله نور النافقين والمنافقات فقال المنافقون: انظرونا نقتبس من نوركم، وقال المؤمنون: أتمم لنا نورنا فلا يذكر عند ذلك أحد أحدًا» وفي حديث آخر مرفوع عنه أيضًا «إن نور المنافق يطفأ قبل أن يأتي الصراط» وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن أبي فاختة: يجمع الله تعالى الخلائق يوم القيامة ويرسل الله سبحانه على الناس ظلمة فيستغيثون ربهم فيؤتى الله تعالى كل مؤمن منهم نورًا ويؤتى المنافقين نورًا فينطلقون جميعًا متوجهين إلى الجنة معهم نورهم فبينما هم كذلك إذ أطفأ الله تعالى نور المنافقين فيترددون في الظلمة ويسبقهم المؤمنون بنورهم بين أيديهم فيقولون: انظرونا نقتبس من نوركم الخبر، والاخبار في إيتاء المنافق نورًا ثم إطفائه كثيرة وليس في الآية ما يأباه.
وقرأ زيد بن علي.
وابن وثاب. والأعمش. وطلحة وحمزة {انظرونا} بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء من النظرة وهي الإمهال يقال أنظر المديون أي أمهله، وضع {انظرونا} عنى المهلة وإنظار الدائن المديون موضع اتئاد الرفيق ومشيه الهوينا ليلحقه رفيقه على سبيل الاستعارة بعد سبق تشبيه الحالة بالحالة مبالغة في العجز وإظهار الافتقار، وقيل: هو من أنظر أي أخر، والمراد اجعلونا في آخركم ولا تسبقونا بحيث تفوتونا ولا نلحق بكم.
وقال المهدوي: {انظرونا} عنى وهما من الانتظار تقول العرب: أنظرته بكذا وانتظرته عنى واحد والمعنى امهلونا {فاسمعون قِيلَ} القائلون على ما روى عن ابن عباس المؤمنون، وعلى ما روى عن مقاتل الملائكة عليهم السلام.
{ارجعوا وَرَاءكُمْ} قال ابن عباس: أي من حيث جئتم من الظلمة أو إلى المكان الذي قسم فيه النور على ما صح عن أبي أمامة {فالتمسوا نُورًا} هناك، قال مقاتل: هذا من الاستهزاء بهم كما استهزءوا بالمؤمنين في الدنيا حين قالوا {آمنا} [البقرة: 14] وليسوا ؤمنين، وذلك قوله تعالى: {الله يَسْتَهْزِىء بِهِمْ} [البقرة: 15] أي حين يقال لهم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورًا، وقال أبو أمامة: يرجعون حين يقال لهم ذلك إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور وهي خدعة الله تعالى التي خدع بها المنافقين حيث قال سبحانه: {يخادعون الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، وقيل: المراد ارجعوا إلى الدنيا والتمسوا نورًا أي بتحصيل سببه وهو الايمان أو تنحوا عنا والتمسوا نورًا غير هذا فلا سبيل لكم إلى الاقتباس منه، والغرض التهكم والاستهزاء أيضًا.
وقيل أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة الكثيفة تهكما بهم وهو خلاف الظاهر، وأيًا مّا كان فالظاهر أن وراءكم معمول لارجعوا.
وقيل: لا محل له من الإعراب لأنه عنى ارجعوا فكأنه قيل: ارجعوا ارجعوا كقولهم {وراءك} أوسع لك أي ارجع تجد مكانًا أوسع لك {نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم} أي بين الفريقين، وقرأ زيد بن علي. وعبيد بن عمير {فَضَرْبَ} مبنيًا للفاعل أي فضرب هو أي الله عز وجل: {بِسُورٍ} أي بحاجز، قال ابن زيد: هو الاعراف، وقال غير واحد: حاجز غيره والباء مزيدة {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} أي الباب كما روي عن مقاتل أو السور وهو الجانب الذي يلي مكان المؤمنين أعني الجنة {فِيهِ الرحمة} الثواب والنعيم الذي لا يكتنه {وظاهره} الجانب الذي يلي مكان المنافقين أعني النار {مِن قَبْلِهِ} أي من جهته {العذاب} وهذا السور قيل: يكون في تلك النشأة وتبدل هذا العالم واختلاف أوضاعه في موضع الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس.
أخرج عبد بن حميد عن أبي سنان قال: كنت مع علي بن عبد الله بن عباس عند وادي جهنم يعني المكان المعروف عند بيت المقدس فحدث عن أبيه أنه قال: وقد تلا قوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} هذا موضع السور عند وادي جهنم، وأخرج هو.
وابن جرير. وابن المنذر. والحاكم وصححه وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} هو سور بيت المقدس الشرقي {باطنه فيه الرحمة} المسجد {وظاهره مِن قِبَلِهِ العذاب} يعني وادي جهنم وما يليه.
وأخرج عن عبادة بن الصامت أنه كان على سور بيت المقدس الشرقي فبكى فقيل: ما يبكيبك؟ فقال: هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم ولا يخفى أن هذا ونظائره أمور مبنية على اختلاف العالمين وتغاير النشأتين على وجه لاتصل العقول إلى إدراك كيفيته والوقوف على تفاصيله، فإن صح الخبر لم يسعنا إلا الإيمان لعدم خروج الأمر عن دائرة الإمكان، وأبو حيان حكى عمن سمعت. وعن كعب الاحبار أنه الجدار الشرقي من مسجد بيت المقدس واستبعده ثم قال: ولعله لا يصح عنهم.


{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)}
{ينادونهم} استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا يفعلون بعد ضرب السور ومشاهدة العذاب؟ فقيل: ينادي المنافقون والمنافقات المؤمينن والمؤمنات {أَلَمْ نَكُن} في الدنيا {مَّعَكُمْ} يريدون به موافقتهم لهم في الظاهر {قَالُواْ بلى} كنتم معناكما تقولون {ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} محنتموها بالنفاق وأهلكتموها {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالمؤمنين الدوائر {وارتبتم} وشككتم في أمور الدين {وَغرَّتْكُمُ الامانى} الفارغة التي من جملتها الطمع في انتكاس الإسلام، وقال ابن عباس: {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} بالشهوات واللذات {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالتوبة {وارتبتم} قال محبوب الليثي: شككتم في الله {وَغرَّتْكُمُ الامانى} طول الآمال، وقال أبو سنان: قلتم سيغفر لنا {حتى جَاء أَمْرُ الله} أي الموت {وَغَرَّكُم بالله الغرور} الشيطان قال لكم: إن الله عفو كريم لا يعذبكم.
وعن قتادة كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله تعالى في النار.
وقرأ سماك بن حرب الغرور بالضم، قال ابن جنى: وهو كقوله: وغركم بالله تعالى الاغترار، وتقديره على حذف المضاف أي وغركم بالله تعالى سلامة الاغترار ومعناه سلامتكم منه اغتراركم.


{فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}
{فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ} أيها المنافقون {فِدْيَةٌ} فداء وهو ما يبذل لحفظ النفس عن النائبة والناصب ليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك، وقرأ أبو جعفر. والحسن. وابن أبي إسحق. والأعرج. وابن عامر. وهارون عن أبي عمرو ولا تؤخذ بالتاء الفوقية {طَرَفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ} أي ظاهرًا وباطنًا فيغاير المخاطبين المنافقين، ثم الظاهر إن المراد بالفدية ما هو من جنس المال ونحوه، وجوز أن يراد بها ما يعم الإيمان والتوبة فتدل الآية على أنه لا يقبل إيمانهم وتوبتهم يوم القيامة وفيه بعد، وفي الحديث: «إن الله تعالى يقول للكافر: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار، فيقول: نعم يا رب فيقول الله تبارك وتعالى: فدسأ لتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك» {مَأْوَاكُمُ النار} محل أويكم {هِىَ مولاكم} أي ناصركم من باب تحية بينهم ضرب وجيع والمراد نفي الناصر على البتات بعد نفي أخذ الفدية وخلاصهم بها عن العذاب، ونحوه قولهم: أصيب بكذا فاستنصر الجزع، ومنه قوله تعالى: {يُغَاثُواْ اء كالمهل} [الكهف: 29] وقال الكلبي. والزجاج. والفراء. وأبو عبيدة: أي أولى بكم كما في قول لبيد يصف بقرة وحشية نفرت من صوت الصائد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه *** مولى المخافة خلفها وأمامها
أي فغدت كلا جانبيها الخلف والإمام تحسب أنه أولى بأن يكون فيه الخوف، قال الزمخشري: وحقيقة مولاكم هي على هذا محراكم ومقمنكم أي المكان الذي يقال فيه هو أولى بكم كما قيل: هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل: إنه لكريم فأولى نوع من اسم المكان لوحظ فيه معنى أولى إلا أنه مشتق منه كما أن المئنة ليست مشتقة من إن التحقيقية، وفي التفسير الكبير إن قولهم ذلك بيان لحاصل المعنى وليس بتفسير اللفظ لأنه لو كان مولى وأولى عنى واحد في اللغة لصح استعمال كل لأمنهما في مكان الآخر وكان يجب أن يصح هذا أولى فلان كما يقال: هذا مولى فلان ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير، ثم صرح بأنه أراد بذلك رد استدلال الشريف المرتضى بحديث الغدير «من كنت مولاه» فعليّ مولاه على إمامة الأمير كرم الله تعالى وجهه حيث قال: أحد معاني المولى الأولى.
وحمله في الخبر عليه متعين لأن إرادة غيره يجعل الأخبار عبثًا كإرادة الناصر والصاحب وابن العم، أو يجعله كذبًا كالمعتق والمعتق ولا يخفى على المنصف أنه إن أراد بكونه معنى لا تفسير ما أشار إليه الزمخشري من التحقيق فهو لا يرد الاستدلال إذ يكفي للمرتضى أن يقول: المولى في الخبر عنى المكان الذي يقال فيه أولى إذ يلزم على غيره العبث أو الكذب وإن أراد أن ذلك معنى لازم لما هو تفسير له كأن يكون تفسيره القائم صالحكم ونحوه مما يكون ذلك لازمًا له ففي رده الاستدلال أيضًا تردد، وإن أراد شيئًا آخر فنحن لا ندري ما هو وهو لم يبينه والحق أنه ولو جعل المولى عنى الأولى أو المكان الذي يقال فيه الأولى لا يتم الاستدلال بالخبر على الإمامة التي تدعيها الإمامية للأمير كرم الله تعالى وجهه لما بين في موضعه، وفي التحفة الأثنى عشرية ما فيه كفاية لطالب الحق.
وقال ابن عباس أي مصيركم وتحقيقه على ما قال الإمام: إن المولى عنى موضع الولي وهو القرب والمعنى هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه، وأنت تعلم أن الأخبار بذلك بعد الأخبار بأنها مأواهم ليس فيه كثير جدوى على أن وضع اسم المكان للموضع الذي يتصف صاحبه بالمأخذ حال كونه فيه والقرب من النار وصف لأولئك قبل الدخول فيها ولا يحسن وصفهم به بعد الدخول ولو اعتبر مجاز الكون كما لا يخفى، وجوز بعضهم اعتبار كونه اسم مكان من الولي عنى القرب لكن على أن المعنى هي مكان قربكم من الله سبحانه ورضوانه على التهكم بهم؛ وقيل: أي متوليكم أي المتصرفة فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها في الدنيا من المعاصي والتصرف استعارة للاحراق والتعذيب، وقيل: مشاكلة تقديرية {وَبِئْسَ المصير} أي النار وهي المخصوص بالذم المحذوف لدلالة السياق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8